تحديث الممارسة ضمان لمشاركة الشباب
المغرب كبلد يمر بمرحلة ، اصطلح على تسميتها عبر العالم بمرحلة الانتقال الديمقراطي، يعرف تجاذبات يمكن وصفها بالعادية: فكل مرحلة انتقالية إلا و تحدث خلخلة في بنية المجتمع قد لا ترضي جميع مكوناته فتبرز بين الفينة و الأخرى قوى جذب إلى الخلف هدفها الحفاظ على مكتسباتها كمجموعات مستفيدة من الوضع اللاديمقراطي، و الانتقال إلى الوضع الديمقراطي من شأنه أن يؤثر على مكانتها المجتمعية و أن يهدد مصالحها الطبقية الضيفة• إن أي خطوات إلى الخلف أو تراجع عن مكتسبات المرحلة كفيل بأن يؤدي إلى عواقب كارثية قد تكون أسوأ من سابقاتها، وهنا يبرز دور المواطن كفاعل أساسي قادر على تقرير مصير مرحلة الانتقال ، فإما الخروج من نفق الانتقال الديمقراطي، بتحقيق غاياته، أو العودة و الانصياع لضغوط قوى الجذب إلى الخلف• فالمشاركة السياسية كمفهوم أسال مداد الكثير من منظري مراحل الانتقالات الديمقراطية عبر العالم تبرز في وضعنا الحالي: "المنزلة بين منزلتين"، كحل سحري بكل المقاييس•فالوعي السياسي ، خاصة لدى الشباب، هذه الفئة التي تشكل في المغرب ، حاله كحال سائر الدول النامية ، القاعدة الصلبة و العريضة داخل المجتمع، كفيل بصد أعداء الانتقال الديمقراطي و بردع خصوم التغيير و كذلك برد خطر الفكر المحافظ أو الرجعي• و على هذا الأساس فالمشاركة السياسية كصدى لنبض الشارع و كصوت راسخ لقرار المواطن، هي التعبير الصريح عن إرادة التغيير، و هي المحصن الحقيقي ضد أي خطوة غير محسوبة ترجع البلاد إلى الخلف• القوى الديمقراطية بالمغرب تراهن بشكل كبير على الشباب، تقديرا من هذه القوى لدقة المرحلة و لصعوبة المنعرج الذي نحن على مرمى حجر منه، و لكن لا تزال الأقلام غير المسؤولة في الصحافة التي تلقب نفسها بالصحافة المستقلة ، تهز من ثقة الشباب في المؤسسات و تشكك في التغيير ، مروجة أباطيل و أكاذيب ، منتهجة أسلوب التهريج غرضها من ذلك تجاري صرف، غير آبهة بمصير الوطن ، كأنها صحافة تنتمي إلى بلدان أخرى غير المغرب، صحافة الرصيف "غير المواطنة" تلك، تشكل بحق خطرا لا يقل عن خطر الزحف الأصولي الرجعي أو الإرهاب الغاشم و مجموع الأخطار المحدقة بهذا البلد• فمن السهل جدا على أي كان أن يحمل قلما و أن ينتقد و يسب و يشتم و يهرج و يشكك و يكفر ذات اليمين و ذات الشمال، حينما يرى أن من يشعل شمعة بدل أن يلعن الظلام يسحب البساط و يسرق الأضواء• و الحال أن للنقد ضوابط يجب احترامها و إلا لتحول إلى قوة هدامة عمياء ، و المطلوب هو أن ينخرط كل من موقعه، أحزابا، نقابات، مجتمعا مدنيا، و كذلك الصحافة الوطنية، لربح رهان تطوير و دمقرطة المجتمع• لأن آخر محك لثقة المواطن في الوجود الحقيقي لمرحلة الانتقال نحو الديمقراطية هو ما ستسفر عنه الاستحقاقات التشريعية المقبلة، و هذا ما سيحكم تعاطي المواطن مع المسألة مستقبلا• لذا فعلى الجميع أن يكون في الموعد بكل مواطنة و روح المسؤولية، فعلى الأحزاب الوطنية الديمقراطية مسؤولية إعداد برامج شاملة مؤسسة على الاحتياجات الحقيقية للمواطن منسجمة و قناعاتها و قابلة للتطبيق على أرض الواقع ، كما يقع على عاتقها احترام ثقة المواطن و احترام ذكائه في تشكيل التكتلات و التحالفات الطبيعية و المنسجمة•أما المواطن فدوره هو التعبير الصريح عن قناعته و عدم الاستهانة أو تبخيس لحظة الاستحقاق ، لأنها بحق لحظة تشكل مستقبل مجتمع و لأن قوة المشاركة السياسية تحكم بدورها التعامل الرسمي للدولة التي ستكون مع موعد مع التاريخ بعدم حيادها عن المنهجية الديمقراطية و تفعبل الإرادة السياسية الجماعية بانتقال حقيقي نحو الديمقراطية المنشودة• إن المنطق التيئيسي الحتمي الذي يصدر أحكام قيمة حول مواقف الشباب من قضايا الوطن و يصنفها عبثا في مواقف تتراوح بين العدمية المطلقة و العزوف الكامل، هذا المنطق هو نتاج تحليل سطحي يخدم الطروحات الرجعية و المحافظة و لا يهتم بأي حال من الأحوال بملحاحية و وجوب حضور الشباب لتسلم مشعل هم بناء هذا الوطن من جيل صنع تاريخ المغرب الحديث بدماء و تضحيات أبنائه• فانخراط و دينامية شباب الستينيات و السبعينيات من القرن الماضي في صناعة مستقبل بلدهم كان مؤطرا بشعارات سياسية منسجمة و تفاعلات المرحلة•و كان المحرك الأساسي هو حلم الدولة الوطنية الديمقراطية،حلم تحقيق المساواة، حلم العدالة الاجتماعية و حلم المجتمع الحداثي•هذه التطلعات المشروعة ألهبت حماس آلاف الشباب فانصهروا في الحركية العامة ، متحدين رصاص الجلادين و زادتهم برودة المعتقلات السرية عزيمة و توقدا لتغيير الواقع المرير لمغرب الاستبداد و الشمولية• و من هنا تكون الحاجة إلى تجديد الشعارات السياسية و تطوير التطلعات المستقبلية حتى تسنح الفرصة لانخراط شباب الألفية الثالثة في الفعل الشبابي بقناعة و عزيمة، ويبرز هاهنا دور الشبيبة الاتحادية كمنظمة رائدة، مؤطرة لنضالات الشباب منذ ما يزيد عن ثلاثين سنة• إن أهم ما يجب أن تنكب عليه منظمتنا في هذا الظرف الحساس هو إعادة الاعتبار للفعل الشبابي و إعادة الثقة للشباب في إمكانية التغيير، و هذا لن يتسنى إلا بتعبئة طاقات المنظمة لإنتاج الأفكار الخلاقة و تطوير الخطابات و تحديث التطلعات بما يتناسب و إكراهات و تحديات الألفية الثالثة، ينبغي التفكير العميق في فكرة- لعلها نموذج مستوحى من التجربة الإنسانية - تضمن التفاف الشباب، فكرة رائدة تمكن من إعادة هيكلة حقل نضال الشبيبة•فلا يزال الانتقال الديمقراطي يحتاج إلى تحصين( إصلاح المؤسسات، الإصلاحات الدستورية•••) و لايزال الشباب يتطلع للعيش الكريم ، ما يعني أنه مازال للنضال مبرر وجوده• لقد تابعنا جميعا كيف هب الشباب الفرنسي لنجدة مستقبلهم من تهديد قانون جائر في تقديرهم، هذه الحركة الاحتجاجية التي كان لحركة الشباب الاشتراكي الفرنسي MJS الفضل الكبير في التعبئة لها وفي متابعتها، تعطينا درسا في الديمقراطية وفي احترام إرادة الأغلبية، و بالنسبة لنا في الشبيبة الاتحادية، فالتجارب التي يجب استخلاصها من مسار حركة الشباب الاشتراكي الفرنسي كثيرة ، خاصة فيما يخص دعمهم الحالي للمرشحة الاشتراكية لرئاسة فرنسا سيغولين رويال حيث ينظم الشباب الاشتراكي حملات وقوافل تجوب فرنسا طولا و عرضا تحركها فكرة وشعار: "لم لا تحكم امرأة اشتراكية الجمهورية الفرنسية ؟ " و بناء عليه ، فإن التجارب الإنسانية عبر العالم زاخرة بجوانب لامعة قد تشكل منطلقات تفكيرنا في أفكار مضيئة تشكل بدورها محاور التفاف الشباب المغربي إزاء قضايا الوطن والمجتمع بما يضمن مشاركة سياسية وانخراطا فعليا لهذه الفئة .محمد الطاهر ابو زيد عضو المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية• |